دقات قلب الطفل حديث الولادة

دقات قلب الطفل حديث الولادة: المؤشرات الحيوية والمعايير الطبية

تُعد دقات قلب الطفل حديث الولادة من العلامات الحيوية الأساسية التي يعتمد عليها الأطباء لتقييم صحة المولود خلال أيامه الأولى. وتلعب دورًا محوريًا في الكشف المبكر عن أي خلل في الدورة الدموية أو الجهاز القلبي، كما تُستخدم كمؤشر على مدى تأقلم الطفل مع الحياة خارج الرحم. يمر الطفل بمجموعة من التغيرات الفيزيولوجية الحادة بمجرد الولادة، من بينها انتقال عمل الجهاز الدوري من الاعتماد على الحبل السري إلى الاعتماد على الرئتين، ويُعد رصد ضربات القلب واحدًا من أهم المؤشرات التي يتم مراقبتها بدقة خلال هذه الفترة الحساسة.

المعدل الطبيعي لدقات القلب عند حديثي الولادة

تتراوح دقات قلب الطفل حديث الولادة في الحالة الطبيعية، أثناء اليقظة، بين 120 إلى 160 نبضة في الدقيقة. بينما يمكن أن تنخفض قليلاً أثناء النوم لتصل إلى نحو 100 نبضة في الدقيقة، وقد ترتفع مؤقتًا لتتجاوز 180 نبضة في الدقيقة في حالات البكاء أو النشاط الحركي الشديد. هذا المعدل العالي مقارنة بالبالغين يرجع إلى احتياجات الجسم العالية للأوكسجين والطاقة في هذه المرحلة المبكرة من النمو.

التغيرات الفسيولوجية بعد الولادة وتأثيرها على القلب

عند الولادة، يمر المولود بتحولات جوهرية في الجهاز القلبي الوعائي. كان الجنين خلال الحمل يعتمد على المشيمة في تبادل الغازات والتغذية، ولا يستخدم رئتَيه في التنفس. ولكن بعد قطع الحبل السري وبدء التنفس الرئوي، يبدأ القلب في العمل بطريقة مختلفة، حيث تُغلق بعض الفتحات الطبيعية في قلب الجنين (مثل القناة الشريانية والثقب البيضاوي) لتتحول الدورة الدموية إلى النمط الطبيعي.

هذه التغيرات تحدث بسرعة ولكنها قد تستغرق بعض الأيام لتكتمل، ولذلك فإن الأطباء يولون أهمية كبيرة لمراقبة معدل ضربات القلب خلال الأيام الأولى بعد الولادة.

طرق قياس دقات قلب الطفل حديث الولادة

تتم مراقبة نبضات قلب الرضيع باستخدام أساليب متعددة، بعضها تقليدي وبعضها يعتمد على تقنيات حديثة:

• الاستماع بالسماعة الطبية: وهي الطريقة الأبسط، حيث يضع الطبيب السماعة على صدر الرضيع ويحسب عدد النبضات في الدقيقة.

• المراقبة الإلكترونية: تُستخدم أجهزة مراقبة متقدمة، خاصة في وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة (NICU)، لتوفير قياسات دقيقة ومستمرّة.

• أجهزة قياس النبض بالأكسجين (Pulse Oximeter): تُستخدم لقياس نسبة الأكسجين ومعدل ضربات القلب عبر الإصبع أو القدم.

• تخطيط القلب الكهربائي (ECG): يعطي صورة دقيقة عن الإشارات الكهربائية الصادرة من القلب، ويُستخدم في الحالات الطبية الحرجة أو الاشتباه بوجود خلل قلبي.

أهمية مراقبة دقات القلب

تُعد دقات القلب مرآة لحالة الطفل العامة، وتساعد في الكشف عن عدة حالات مثل:

1. الإجهاد التنفسي: ارتفاع ضربات القلب قد يكون مؤشراً على وجود صعوبة في التنفس أو انخفاض في الأوكسجين.

2. العدوى أو الالتهابات: في حالات العدوى الجهازية مثل الإنتان (Sepsis)، قد ترتفع أو تنخفض دقات القلب بشكل غير طبيعي.

3. العيوب الخلقية في القلب: بعض التشوهات القلبية تؤدي إلى اضطرابات واضحة في معدل النبض أو انتظامه.

4. فقر الدم أو نقص السوائل: حالات نقص الحجم الدموي أو فقر الدم تؤثر على عمل القلب وقد تؤدي إلى تسارعه.

5. الاختناق الولادي: وهو أحد أخطر أسباب بطء دقات القلب عند الولادة ويستلزم تدخلاً عاجلاً.

حالات تسارع القلب (Tachycardia) عند حديثي الولادة

يُعرَّف تسارع دقات القلب عند الرضع حديثي الولادة بأنه تجاوز النبض 180 نبضة في الدقيقة. وتشمل الأسباب المحتملة:

• الحرارة المرتفعة: الحمى من أبرز الأسباب.

• القلق أو الانفعال: استجابة عصبية طبيعية.

• نقص السوائل أو فقدان الدم.

• فرط نشاط الغدة الدرقية (نادر جدًا).

• اضطرابات كهربائية في القلب مثل تسرّع القلب فوق البطيني (SVT).

تستلزم هذه الحالات تقييمًا دقيقًا لتحديد السبب الكامن والتعامل معه طبياً حسب البروتوكولات العلاجية الحديثة.

حالات بطء القلب (Bradycardia) عند حديثي الولادة

يُعد بطء دقات القلب (أقل من 100 نبضة/الدقيقة) مؤشرًا خطرًا في بعض الحالات، خاصة أثناء الولادة أو بعدها مباشرة. وقد يكون ناتجًا عن:

• نقص الأكسجين أثناء الولادة.

• الاختناق الولادي.

• مشكلات خلقية في القلب.

• الآثار الجانبية لبعض الأدوية التي تناولتها الأم أثناء المخاض.

• ارتفاع الضغط داخل الجمجمة نتيجة لنزف دماغي.

تتطلب هذه الحالة تدخلًا فوريًا، وقد يتم إنعاش الطفل عن طريق التهوية أو الإنعاش القلبي الرئوي حسب الضرورة.

التقييم الدوري في وحدات حديثي الولادة

ضمن بروتوكولات العناية القياسية، يتم تقييم دقات القلب بشكل دوري:

• عند الولادة مباشرة (خلال الدقائق الخمس الأولى).

• كل ساعة خلال الساعات الأولى بعد الولادة.

• بشكل دوري خلال اليوم الأول ثم يوميًا في حال كانت الحالة مستقرة.

أما في الحالات المرضية أو إذا كان الطفل في وحدة العناية المركزة، فإن مراقبة القلب تتم باستمرار باستخدام أجهزة رقمية متطورة.

العلاقة بين دقات القلب ومؤشر أبغار (APGAR Score)

يُعد معدل دقات القلب أحد المعايير الأساسية في مقياس أبغار الذي يستخدم لتقييم حالة الرضيع بعد دقيقة و5 دقائق من الولادة. يُعطى الطفل درجة من 0 إلى 2 حسب دقات القلب:

• 0 نقاط: لا يوجد نبض.

• 1 نقطة: أقل من 100 نبضة في الدقيقة.

• 2 نقاط: أكثر من 100 نبضة في الدقيقة.

مجموع نقاط أبغار يساعد الفريق الطبي في تحديد ما إذا كان الطفل بحاجة إلى تدخل عاجل أو إلى مراقبة مستمرة.

متى يكون التغير في دقات القلب مقلقًا؟

بعض التغيرات الطفيفة في معدل دقات القلب قد تكون طبيعية، خاصة أثناء النوم أو البكاء. ولكن يُعتبر الأمر مقلقًا عندما يكون هناك:

• تسارع دائم دون سبب واضح.

• بطء مستمر في دقات القلب.

• عدم انتظام في إيقاع القلب.

• ترافق التغيرات في النبض مع تغير لون الجلد (شحوب، زرقة) أو صعوبة في التنفس.

في هذه الحالات يُنصح بإجراء تقييم طبي عاجل يشمل فحوصات دموية وتخطيط قلب وصورة شعاعية للصدر حسب الحالة.

العوامل التي تؤثر على معدل ضربات القلب عند حديثي الولادة

العديد من العوامل قد تؤثر على دقات القلب وتشمل:

• عمر الحمل: الأطفال الخدج يميلون إلى دقات قلب أعلى.

• درجة حرارة الجسم: الحمى تزيد معدل القلب.

• البيئة المحيطة: الأصوات العالية أو الإضاءة قد ترفع معدل النبض مؤقتاً.

• الأدوية: بعض الأدوية التي تتناولها الأم أو تعطى للرضيع تؤثر على القلب.

• الوضعية: قد يختلف معدل النبض تبعًا لوضعية الطفل (نائم على الظهر أو على البطن).

توصيات للمراقبة المنزلية بعد الخروج من المستشفى

بعد خروج الطفل من المستشفى، من المهم على الأهل الانتباه لبعض الإشارات التحذيرية المتعلقة بدقات القلب، مثل:

• تغير في وتيرة التنفس أو صعوبة في التنفس.

• شحوب أو ازرقاق الشفاه أو الأطراف.

• خمول مفرط أو فقدان الشهية المفاجئ.

• تسارع واضح ومستمر في نبض الطفل يمكن لمسه بسهولة من خلال الصدر أو الرسغ.

لا يُنصح بقياس نبض الطفل المنزلي بشكل يومي ما لم تكن هناك حالة طبية تتطلب ذلك، لكن في حال وجود قلق يُفضل مراجعة الطبيب أو زيارة الطوارئ فورًا.

الختام

دقات قلب الطفل حديث الولادة ليست مجرد رقم، بل هي مؤشر حيوي دقيق يعكس حالة الطفل العامة. وتتطلب المتابعة الدقيقة، خصوصًا في الأيام الأولى من الحياة، لضمان الانتقال السلس من الحياة الجنينية إلى الحياة خارج الرحم. عبر التقنيات الطبية الحديثة والفهم المتقدم للفسيولوجيا الولادية، بات الأطباء قادرين على رصد المشكلات القلبية بدقة والتدخل في الوقت المناسب لضمان أفضل بداية ممكنة للحياة.

المراجع:

• American Academy of Pediatrics (AAP) – Neonatal Resuscitation Program.

• World Health Organization (WHO) – Neonatal Health Guidelines.